باب الجامعة
كانتْ هند تجلسُ مع سعاد في ساحة الكليّة لشرب الشاي و تناول وجبةٍ خفيفة ريثما تبدأ محاضرة السّاعة الثانية. لم تكن البحيرة نظيفةًَ ، بل كانتْ مهملةً و تملئها نفايات الطلاّب .سألت هند سعاد :
- هل ترينَ كم تبدو هذه البحيرةُ الجميلة مهملةً دون تنظيف ؟
- نعم . لمْ تنظّف من حوالي أسبوعين تقريباً .
- و على من تقعُ مسؤولية تنظيفها ؟ سألت هند ؟
- أعتقدُ أنها وظيفة العمّال . أجابت سعاد .
- عمّالٌ أم حرّاس أم حمّالون أم مسئولون عن تنظيف الحمّامات ؟
- لا أدري ، أنا مثلك ، أراهم هنا و هناك . إنهم الفئة ذات التعليم المحدود و أغلبهم وّظفوا بالشهادة الابتدائية. تخيّلي ! حتّى هنا يوجد متعلمّون و جاهلون و في نفس المكان . هل يعلمون ماذا تعني كلمة قطّة ( ضحكت قليلاً)
- يقول تعالى " و هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون " قالت هند .
- سبحان الله ! ألا ترين كيف يصبّح الحرّاس مغرورين بأنفسهم وقت الامتحان ؟ و كأنهم حرّاس باب الحارة ( ضحكت قليلاً ) و يقومون بإيقاف الطلاّب الذين يتوجهون لمقابلة أساتذتهم وقت الامتحان و كأنهم يدخلون حدود بلادٍ أخرى . و ألا ترين كيف تقوم بعض الطالبات و الطلاب بالتذلل لهم لكي يجلبوا لهم نتائج الامتحان قبل صدورها بدقائق ؟
ضحكتْ هند و قالت: نعم. صدقت يا سعاد.
- قال لي أخي مرّة أنه جاء بعد انتهاء دوامه في العمل إلى هنا لكي يحصل على نتائج مواده، و كان الدوام هنا قد انتهى منذ نصف ساعة. فلم يدخل إلاّ بعد أعطى مبلغاً من المال للحارس الذي أوقفهُ ساعةً كاملة و هو يطرده و يحقّره و يقول له بأن هذا هو القانون و هوّ ينفذه .
- أصبحَ هذا الأمرُ معروفاً لدى العديد من النّاس . قالتْ هند . ألا تذكرين شذى التي كانتْ تمشي مع ذلك الحارس الذي كان يسرّح شعره على نمط الثمانينيات و كان يلبس اللباس الشتوي في نصف آب ؟
- نعم . ضحكتْ سعاد و قالتْ : لقد حماها من أبناء قريتها الذين كانوا يتصارعون عليها لأنها ارتبطت بكلّ واحدٍ منهم سنةً بعد سنة .
- أجل ، كلّ واحد بسنة و تجمّعوا في المباراة النهائية هنا . قالت هند .
- لكن الجميع خسر و هاهي الآن متزوجةٌ في السعودية بعد أن استنفذتْ .
- نعم سعاد . أتذكرين ماجد ؟
- نعم أذكره . و قد سمعتُ عمّا قام به مع الحراس . هل تعرفين أنت ؟
- أجل. و كأنها البارحة عندما قطفتْ إحدى زميلاتنا زهرةً من هنا و كان الفرّاش ( كما يقولون في مصر) يتبعها و أخيراً ليجد ضالته في استغلالها و يوقفها و يطلب بطاقتها ثمّ يبدأ بتخويفها مع أنه لا سلطة له عليها و لم يأتي لمصلحة الحديقة و إنمّا لمصلحته هو. لقد أخبرتني أنه كان يخوفها فقط و كان يسألها أسئلةً شخصيّة و ينظرُ لها كحيوان بشري يحتاج عصوراً ليصل للإنسانية. إلى أن وصل ماجد في الوقت المناسب ليبعدهُ و يهدده بنائب رئيس الجامعة و يحوله من فقاعة صابون إلى هواء لم يكن. قالت هند .
- كان ماجد رائعاً . و كان يعرفُ حكاية أولئك الخبيثين الذين لا شاغلة لهم إلا اللحاق بالفتيات وقت فراغهم .
- إن من يعرف هؤلاء على حقيقتهم لا يتنازل لأفعالهم المنافية للأخلاق و التربية. حتّى أنني أتمنى لو كان لهم لباسٌ موّحد بدل لباسهم الغريب و طريقتهم في تسريح الشعر و الهندام البشع. و لقد علمتُ أنهم يتعقبّون العشّاق و يصوّروهم بكاميرات الهاتف النقال و يهددون بأنهم سوف يعرضونها على رئاسة الجامعة و لا يفعلون أيّ شيء من هذا عدا الحصول على المال من الشاب ن و قد يتمادون أحياناً ليحقروّا الفتاة . قالت سعاد .
- يا الهي . أواذن و حرّاس و حمّالون و عمّال و مفسدين و مبتزين و مغتصبين . هل نذهبُ للمحاضرة يا سعاد ؟
- هيّا فربّما نجدُ مكاناً أم لا نجد أبداً . قالت سعاد .
- أتصدقين ؟ قالت هند . كان أحد الحرّاس يحجزُ لفتاة في كلّ يوم مقابل الجلوس معها لمدّة دقيقتين .
- كلّ شيء جائز . نرى العديد من العجائب و غرابة الأطوار و الجنون هنا . لكن قيمة كلّ شخصٍ تكمن في شخصه و تصرّفاته و انجازه . و لا تنسي أننا نختلف اختلاف الكائنات و المعادن و الأزهار.
- صدقت .
انتهت هند و سعاد من المحاضرة و مشوا نحو بوّابة الجامعة الكبرى التي كان يوجد فيها حرّاس بعيون كالرادار . نظرتا إلى الباب و قالتا : " باب الجامعة " و ضحكتا .
صفوة حنّوف
